ذكاء اصطناعي يُشخّص الأمراض بدأ يساعد الأطبّاء ويحل محلّهم
الأطبّاءُ الرقميّون موجودون بالفعل، لكن هناك أسئلة كبيرة تتعلق بكيفية عملهم. هل نحن مستعدون لصعود الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحيّة؟
بقلم: مايكل لو بيج Michael Le Page
ترجمة: آية علي
الأطباء الأذكياء اصطناعيّاً موجودون حاليّاً. فقد خضع بالفعل الآلافُ في الولايات المتحدة وأوروبا للفحص بواسطة نظام ذكاء اصطناعي لاكتشاف العمى المرتبط بداء السكري دون تدخل طبيب بشري. وفي العام الماضي جرت الموافقة على النظام بعد تفوّقه في الأداء على محترفين مُدرّبين في إحدى التجارب.
وفي السنوات القليلة المقبلة ستبدأ المزيد من اختبارات الذكاء الاصطناعي. ويبدو أنها مهيأة لتحسين تشخيص العديد من الحالات، من سرطان الثدي والرئة إلى كسور المعصم والمياه الزرقاء في العين (الزَّرَق). وقريباً، سيتمكن أي مستشفى قادر على تحمل تكاليف المعدات اللازمة من تقديم المستوى نفسه من التشخيص.
أو على الأقل هذه هي الرؤية. ومع ذلك، إذا سارعنا في تبنّي هذه الأنظمة قبل الأوان، فقد تثبت أنّها ضارة. وعن ذلك يقول أمول نافاث Amol Navathe من جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania: «أنا متفائل بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي على فعل الخير، لكن الأمر أصعب ممّا نعتقد».
لنأخذ مثلا نظام واتسون Watson من شركة آي بي أم IBM، وهو نظام الذكاء الاصطناعي المشهور بفوزه في مسابقة جيبيردي (المخاطرة) Jeopardy TV. كان من المفترض لهذا النظام أن يُحدث ثورة في الرعاية الصحية من خلال استخدام مهاراته في معالجة اللغة الطبيعية لتحليل كميات هائلة من الأدبيات الطّبية، وذلك من أجل تقديم تشخيصات أكثر دقة والتوصية بعلاجاتٍ أفضل.
ولكن هناك ادعاءات بأن نظام واتسون للسرطان IBM Watson for Oncology قدّم توصيات خاطئة وغير آمنة في بعض الأحيان – لم تُتّبع بالطبع، وأنّ بعض الأطباء تخلّوا عن هذا النظام بعد أن وجدوا أنّه لم يَرْقَ إلى مستوى التوقّعات المطلوبة. ويعلّق إريك توبول Eric Topol، اختصاصي أمراض القلب ومؤلف كتاب الطب العميق Deep Medicine؛ وهو كتاب عن الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية: «من وجهة نظري؛ إنّه نظام فاشل».
لكن شركة آي بي إم طعنت في هذه الادعاءات. فقد كتب جون كيلي John Kelly، المدير التنفيذي للشركة في مدونته قائلاً: «هل يمكن لواتسون مساعدة أطباء الأورام على اتخاذ قرارات أفضل لمرضاهم؟ لقد أثبتت الإجابة، على نحوٍ متكرّر، أنّها تأكيدٌ رنّان».
لكن نافاث يقول إنه وجد، وآخرون، أنّه لا يمكنك الاكتفاء بتغذية ذكاءٍ اصطناعي بمجموعة كبيرة من البيانات وتتوقّع منه أفكاراً عبقرية، وذلك نتيجة التحيزات الكامنة في مجموعات البيانات، ويقول: «إنّ البيانات التي تراها (أنظمة الذكاء الاصطناعي) خضعت لفلترة نظرة البشر وأحكامهم».
ومن الأمثلة على ذلك: قد يبدو نظام ذكاء اصطناعي غُذِّي ببيانات اختبار في مستشفى جيدا في التنبؤ بالاضطراب الذي يعانيه المريض قبل فترة طويلة من الحصول على نتائج التحاليل. ولكن نظراً لأنّ الأطباء يطلبون إجراء اختبارات بناء على ما يشتبهون في وجوده لدى المريض، فإن ما قد يفعله النظام حقّاً هو استخدام معرفته بنوعية الاختبارات التي طلبها الطبيب لمعرفة المشكلة التي يشكّ الأطبّاء في وجودها، وهذا أمر غير مفيد.
وبعض العيوب أقل وضوحاً. فقد عمل نافاث على أنظمة ذكاء اصطناعي لاكتشاف تعفّن الدم Sepsis، وهو استجابة مناعية للعدوى تكون مميتة في بعض الأحيان. والهدف من ذلك هو التنبؤ مبكراً بمن قد يموت، وذلك لتوفير المزيد من الوقت لإنقاذ الأرواح.
والمشكلة هي أن أولئك الذين يموتون غالباً ما تكون لديهم فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة بسبب مشكلات صحية أخرى. لذا، وحتى إن تمكن الذكاء الاصطناعي من تحديد هؤلاء الأشخاص، واتّبع الأطباء نصائحه، فقد ينتهي بهم الأمر بعلاج أشخاص ينبغي أن يحصلوا بدلاً من ذلك على الرعاية التلطيفية للمساعدة في أيامهم الأخيرة.
وتظهر هذه المشكلات؛ لأن أكثر أشكال الذكاء الاصطناعي شيوعًا، وهو التعلم العميق Deep learning، هو في الأساس شكل من أشكال التعرف على الأنماط. وأنظمة التعلم العميق بمثابة صندوق أسود، لذا لا توجد طريقة سهلة لمعرفة ما إذا كان النمط الذي يلتقطه الذكاء الاصطناعي ناتجًا من تحيزٍ في البيانات.
وبدلاً من ذلك، تعمل بعض المجموعات على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي مبنية على نموذج للسبب والنتيجة. صُمّمت هذه النماذج السببية لتكون شفافة؛ لتشرح قراراتها.
لكن في الوقت الحالي، فإنّ معظم المجموعات تطبّق التعلّم الآلي على نماذج موضوعية وبسيطة نسبيا من البيانات، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي والفحص الشبكي.
ووافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية US Food and Drug Administration بالفعل على نحو 12 خوارزمية من الذكاء الاصطناعي، مثل نظام أوستيو ديدكت OsteoDetect لاكتشاف الكسور في المعاصم في الأشعة السينية، ونظام ديب ميد أدفيزور بروDreaMed Advisor Pro الذي يراقب مستوى الغلوكوز للتوصية بجرعات مستخدمي مضخات الأنسولين.
لكن هناك أموراً كثيرة قيد الإعداد. فالشركة IDx التي طورت اكتشاف العمى السكري تعمل كذلك على تشخيص الضمور البقعي والزرَق ومرض ألزهايمر وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومخاطر السكتة الدماغية من فحص شبكية العين مثلاً.
«نتوقع أن نبدأ التجارب السريرية من أجل الضمور البقعي والزرَق بحلول عام 2020»، كما تقول المتحدثة باسم شركة IDx لورا شوميكر Laura Shoemaker.
كذلك تحدثت شركة ديب مايند DeepMind، وهي شركة ذكاء اصطناعي أخرى، عن نظامٍ مشابه لاكتشاف المشكلات في عمليات فحص شبكية العين.
ولكن حتى مع هذه التطبيقات البسيطة نسبيّاً لتعلم الآلة، هناك بعض المشكلات. أولاً، إذا دُرِّب ذكاءٌ اصطناعي على شكل واحد من أشكال معدات التصوير؛ فسيعمل فقط مع تلك الأجهزة. وفي الواقع، حتى مجرّد ترقية برامج آلة التصوير يمكنها إرباك أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وينبغي، في أمثل الأحوال، أن تكون الأنظمة قابلة للتعميم. ولعل الأسوأ من ذلك أنّه إذا دُرِّبت هذه الأنظمة على إجراء فحوصات للمتحدرين من أصل أوروبّي فقط مثلا، فمن غير المرجّح أن تعمل على أشخاصٍ آخرين.
أنا متفائل بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي على فعل الخير، لكنّ الأمر أصعب مما نعتقد
وتقول كونستانس ليمان Constance Lehman، من كلية الطب بجامعة هارفارد Harvard Medical School: «هذه نقطة مهمة جدًّا». وقد أنشأ فريق ليمان نظامًا للتعلم العميق يتفوق على الأطباء في تحليل صور مسح الثدي بالأشعة السينية. ويمثل الأمر – وفق تعبير ما – على حد تعبيرها مُشكلة في الطب عمومًا، وليس فقط في الذكاء الاصطناعي.
ولعلّ أكبر مشكلة هي ضمان استفادة الأفراد حقّاً. فعلى الرغم من كوننا نميل إلى افتراض أنّه كلما زادت الاختبارات كان أفضل، فإن الأمر ليس كذلك.
فعندما يتعلّق الأمر بالكشف Screening عن سرطان الثدي مثلاً، خلصت دراسة أجريت عام 2013 أنّه في مقابل كل حياة مُنقَذَة، عانت عَشْرُ نساء الخضوعَ لعلاج غير ضروري، و200 امرأة ضغوطا هنّ في غِنىً عنها. وكانت مثل هذه النتائج كفيلة بأن تجعل البعض يجادل في ضرورة التخلي عن الكشف الشامل بتصوير الثدي بالأشعة السينية، وتقول ليمان: «نحن بحاجة إلى توخي الحذر حيال فرط التشخيص».
وقد تأتي مشكلات مماثلة من التقنية الشخصية. لنأخذ مثلاً أحدث طراز من ساعة أبل Apple watch، التي تتمتّع بوظيفة تخطيط كهربيّة القلب function ECG ويمكنها تحديد إيقاعات القلب غير الطبيعية بمساعدة خوارزمية ذكاءٍ اصطناعي. يعاني كثير من الناس عدمَ انتظام ضربات القلب دون أعراض. وقد توصف لهؤلاء عقاقير غير ضرورية أو قد يخضعون حتى لعملية جراحية لا داعي لها.
ويعتقد نافاث أنّ على الهيئات التنظيمية طلب أدلّة تثبت أن مثل هذه الاختبارات تعود بالنفع على الناس. وفي وقت سابق من هذا العام دعا وزملاؤه إلى تقييم الخوارزميات على أساس معايير مثل إطالة عمر الناس. وعندما تتضمن الأنظمة خوارزميات تكيفية تتعلم باستمرار؛ فإنه يجب إجراء عمليات تدقيق منتظمة.
إنّه يشعر بالقلق من كون الهيئات التنظيمية تطبق معايير أقل على الخوارزميات من تلك التي تطبقها على العقاقير أو الأجهزة. «إنّها تبدو أقلّ خطورة لأنّها ليست منتشرة Invasive»، لكنّه يقول إنّه إذا كان الأطباء يصفون علاجات بناء على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، فيجب أن تُطبّق عليها نفس المعايير نفسها.
ولكن حتى أولئك الذين يشيرون إلى مشكلات الذكاء الاصطناعي، مثل نافاث، يشعرون بالتفاؤل إزاء الإمكانات على المدى البعيد، على الرغم من ذلك (انظر «أجهزة المراقبة الطبية»). ويبدو الذكاء الاصطناعي جاهزاً حقّاً لجعل الدواء أفضل، وأكثر مساواة، وربما أكثر إنسانيّة.
يعتقد توبول أن الذكاء الاصطناعي يستطيع تحرير الأطباء من كونهم «كَتَبَةَ بيانات» مُبجّلين، وهو ما سيمكّنهم من قضاء وقتٍ أطول مع من يحتاجون إلى مساعدتهم. ويقول توبول إن العديد من الدراسات تُظهر أن النتائج تكون أفضل عندما تكون للمرضى علاقةٌ بأطبّائِهم.
ولكن هذا لن يحدث إلا إذا وقف الأطباء ضد المديرين والنسّاخين. وكما يقول: «سيتطلّب الأمر اتّخاذ إجراءات غير مسبوقة».
أجهزة المُراقبة الطبيّة
تُعد الأنظمة الطبية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، التي يجري تعميمها حاليّاً، طريقةً أساسيةً وجوهرية لتشخيص الأمراض على نحوٍ أسرع وأدقّ. ومن ثم، فإنّها تتناسب بدقّة مع النموذج الحالي للرعاية الصحية.
لكن البعض يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيغيّر طبيعة الرعاية الصحية في نهاية المطاف. فبدلاً من الذهاب إلى الطبيب عندما نكون مرضى فقط؛ ستكون صحتنا قيد التقييم المستمر من قبل الأجهزة الذكية، بناءً على بيانات من أجهزة كالساعات الذكية، إلى جانب تسلسل الجينوم. وستنبهنا أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه إلى المشكلات المحتملة قبل أن ندركها بأنفسنا.
على الأقل هذه هي رؤية شركات مثل بابيلون هيلث Babylon Health، التي طوَّرت تطبيقًا يصل الأشخاص بالأطباء عبر نظام تصنيف مدعوم بالذكاء الاصطناعي. ويقول سوراب جوهري Saurabh Johri، كبير مسؤولي العلوم في الشركة: «سيكون النظام جزءًا لا يتجزأ من حياتك؛ يراقب صحتك باستمرار». ويضيف إنه مع استخدام الملايين للأنظمة، فسنتمكّن أيضًا من اكتشاف تفشّي الأمراض وتعقبها في الوقت الفعلي.
لكن هذه الرؤية أبعد ما تكون عن الواقع. فنظام الذكاء الاصطناعي الخاص في شركة بابيلون ما هو إلا روبوت دردشة Chatbot مُصمّم للمساعدة على تقييم أعراض الأفراد، ولم يتّضح حتى الآن تفوّقه على البشر.
في الحقيقة، ليس الجميع مقتنعاً بوصف هذه الأنواع من الأنظمة بالذكاء الاصطناعي. ويعلق نافاث قائلا: «سأعتبرها أدواتٍ تساعد على زيادة الإنتاجية».