من الممكن الآن التنبؤ بالمستقبل بفضل عمليات محاكاة الذكاء الاصطناعي القوية الجديدة
إذا كنت تعتقد أن شركة كيمبريدج أناليتيكا كانت تمتلك تكنولوجيات مخيفة، فانتظر حتى ترى هذا. شكل جديد من نُظُم نمذجة الذكاء الاصطناعي يعِد بمحاكاة دقيقة لسلوك مُدن وبلدان بأكملها، وربما العالم، في يوم من الأيام.
ترجمة: آية علي
أكتوبر 2020. حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في أيامها الأخيرة. دونالد ترامب Donald Trump متخلّف عن الفوز في استطلاعات الرأي، والنقاد يتوقعون فوز منافسه الديمقراطي، نائب الرئيس السابق جو بايدن Joe Biden. لكن ترامب غير منزعج، بل يتباهى بأنه سيفوز مجددا فوزا ساحقا. وخلال آخر أسبوعين من الحملة، تُطلق حملته هجومًا عبر الولايات المتأرجحة الحاسمة: إعلانات، ومنشورات فيسبوك، ومجموعات واتساب، وتغريدات. مُحذّرة من الجرائم العنيفة واضطرابات مدنيّة يقودها المهاجرون والعصابات، معزّزين تأييد ترامب من خلال الإنجيليّين Evangelicals وتشويه سمعة بايدن بوصفه مُلحدًا منافقا. تنجح المبادرة، وينتزع ترامب انتصارا آخر كان غير مرجح.
ربما تعتقد أنك سمعت كل هذا من قبل. إنه تكرار لعام 2016 عندما استخدمت شركة الاستشارات كيمبريدج أناليتيكا Cambridge Analytica الرسائل المستهدفة للتأثير في نتائج الانتخابات الأمريكية، أليس كذلك؟ خطأ. في هذا السيناريو، هناك تكنولوجيا جديدة أكثر إقناعًا: الذكاء الاصطناعي متعدد الوكلاء Multi-agent artificial intelligence (اختصارًا: الذكاء الاصطناعي MAAI). تتيح هذه التكنولوجيا إمكانية إجراء تنبؤات بدقّة فائقة عن طريق اختبارها في عمليّات مُحاكاة مُفصّلة جدا تصل إلى مجتمعات اصطناعية بكاملها Artificial societies. على سبيل المثال، إذا أراد فريق الحملة أن يقرر كيف، وإلى من، يرسل رسائله – كيفية خوض الانتخابات – فيمكنه أداء ذلك، عدة مرات، داخل محاكاة حاسوبية.
فكرة أن حملة ترامب تخطط لاستخدام الذكاء الاصطناعي MAAI هي مجرد تكهنات. لكن من ناحية التكنولوجيا، فما من شيء يمكنه إيقافها. يجري بالفعل استخدام نمذجات الذكاء الاصطناعي MAAI لبناء مجتمعات رقمية تحاكي مجتمعات حقيقية بدقّة خارقة. يتيح هذا للأفراد إجراء تجارب اجتماعية راديكاليّة. هل تريد أن تعرف ماذا سيحدث إذا وصل 20 ألف لاجئ سوري إلى مدينةٍ ما في أوروبا الغربية؟ ابنِ مجتمعا اصطناعيا ثم شاهد ماذا يحدث. تريد أن تعرف كيف تدمج هؤلاء المهاجرين بسلميّة؟ ابنِ مجتمعا اصطناعيا ثم شاهد ماذا يحدث، جرّب عدة أمور واعرِف ما سينجح. تريد تأجيج العداء ضد المهاجرين أو تصميم حملة تضليلية للفوز في الانتخابات…؟
بعبارة بسيطة، يعتبر المجتمع الاصطناعي مجرد نمذجة حاسوبية مماثلة لتلك التي تُستخدم منذ عقود لفهم الأنظمة الديناميكية المعقدة كالطّقس. بُني أول نموذج من هذا النوع في ستينات القرن الماضي على يد فيزيائيين وكيميائيين، لكنّ مع ازدياد التعقيد في هذه النماذج، تبناها علماء الأحياء، ومن بعدهم علماء الاجتماع في العقد الماضي.
والنمذجة المستندة إلى الوكلاء Agent-based modelling هي واحدة من أكثر التكنولوجيات فائدة، وتستخدام سلاسل شفرات حاسوبية لتمثيل الوكلاء، كسائقين يسيرون في طريق أو شركات تتنافس في اقتصاد ما. هؤلاء الوكلاء مبرمجون على التفاعل مع بعضهم بعضا ومع بيئتهم الافتراضية، وتغيير سلوكهم وِفقًا لذلك. وهذه النمذجات مفيدة لفهم الكيفية التي تعمل بها الأنظمة المعقدة، والتنبّؤ بالكيفية التي تتطور بها، واختبار ما سيحدث في حالة تدخّلنا.
ففي عام 2014 مثلا، تفشّى وباء إيبولا في غرب إفريقيا. ومع تصاعد الحالات، طلبت وكالة خفض التهديدات الأمريكية US Defence Threat Reduction Agency من مصمّمي النمذجات الحاسوبية التنبؤ بالكيفية التي سيتطوّر بها الوباء. وعلى مدار سبعة أشهر، بَنوا نموذجا مستندا إلى الوكلاء الذي استخدَم بيانات العالم الحقيقي حول عدد الحالات، ومعدلات الإصابة، وأنظمة الرعاية الصحية، والتوزيع السكاني، والتركيبة السكانية، والتفاعلات الاقتصادية والاجتماعية، وأنماط السفر، وحتى السلوك الثقافي كطقوس الجنازة. وتنبّأت النمذجة بأنه إذا ما تُرك الفيروس دون ردع، فسيُصيب 1.4 مليون شخص.
كما استُخدِمت النمذجة لاختبار التدخّلات الساعية لوقف انتشار الوباء. وأرسلت الفرق الطبية إلى الأماكن التي حدّدت النمذجة أن جهود هذه الفرق ستكون أكثر فاعلية فيها، ونُصح الأفراد الموجودون في المناطق المصابة بتبنّي إجراءات الحجر الصحي وممارسات الدفن الآمنة. وفي النهاية، اقتصرت العدوى على 28,000 شخص. لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين ما إذا كانت النمذجة قد نجحت، وأن تلك التدخلات أدت إلى إصابات أقل من المتوقّع، لكن كثيرا ما يجري الاستشهاد بهذه الحالة على أنّها استخدامٌ ناجح للنمذجة المستندة إلى وكلاء.
الإنسان النموذجي
حتى هنا، فالوكلاء يقتصرون على توفير الحد الأدنى فقط. فالنمذجات مكلفة من الناحية الحوسبية، ويتيعن على المُنمذجين استخدام مواردهم باعتدال شديد. لذا، يُمنح الوكلاء الحدّ الأدنى من السمات البسيطة – مثلا مدى قابليتهم لاستقبال الرسائل الصحية- ومجموعة صغيرة من الاستجابات السلوكية، كالفرار أو البقاء ثابتين. يمكن لمثل هذه النمذجات إنتاج سلوكيات ذات تعقيد مدهش، لكنّك ستتردد في أن تعتبرها مجتمعا اصطناعيا.
ولكن في الأعوام القليلة الماضية، تغيّرت اللعبة، مدفوعة بزيادة هائلة في توفر أربع مواد أولية أساسية: القوة الحاسوبية، والبيانات، والفهم العلمي للسلوك البشري، والأهم من ذلك، الذكاء الاصطناعي (AI).
يقول نايجل غيلبرت Nigel Gilbert، رئيس مركز أبحاث المحاكاة الاجتماعية Centre for Research in Social Simulation في جامعة سري University of Surrey بالمملكة المتحدة: “لطالما كان واحدا من طموحات النمذجة المستندة إلى الوكلاء هو الحصولَ على وكلاء أذكياء”. ومع وصول الذكاء الاصطناعي MAAI، تحقّق هذا الطموح.
مع الذكاء الاصطناعي، فجأة صارت النمذجات أكثر واقعيّة. ويقول إف. ليرون شولتس F. LeRon Shults، مدير مركز النمذجة الاجتماعية Centre for Modelling Social Systems في جامعة أغدر University of Agder بالنرويج: “أحد الأمور التي تغيرت قبول أنه بمقدورنا حقا نمذجة البشر. يتمتّع وكلاؤنا بتعقيدٍ معرفي Cognitively complex. إنهم مُحاكاة أشخاص، بأجناس وأعمار وشخصيات. ويمكنهم الزواج وإنجاب الأطفال والطلاق. ويمكنهم الحصول على وظيفة أو التعرض للفصل، ويمكنهم الانضمام إلى مجموعات، كما يمكنهم الموت. ويتبنون معتقدات دينيّة. إنهم اجتماعيون كالبشر. إنهم يتفاعلون مع بعضهم بعضًا في شبكاتٍ اجتماعيّة. إنّهم يتعلمون من بعضهم بعضًا، ويتفاعلون مع بعضهم بعضا ومع البيئة ككُل”.
وتعني الزيادة في القدرة الحاسوبية أيضًا أنه يمكن زيادة عدد العوامل في النمذجة زيادةً هائلة، من بضعة آلاف إلى عشرات الملايين. ويقول سايكو ديالو Saikou Diallo من مركز فرجينيا للنمذجة والتحليل والمحاكاة Virginia Modelling, Analysis and Simulation Centre في جامعة أولد دومينيون Old Dominion University بفرجينيا: “يمكننا نمذجة مدينة بحجم لندن”.
ويقول شولتز إن المرحلة التالية ستكون نمذجة 320 مليون نسمة، أي عدد سكان الولايات المتحدة، ومن هناك سيكون العدد 1.4 بليون لنمذجة الصين. وفي النهاية، الهدف هو العالم كله.
السبيل إلى التناغم
النتيجة هي ثورة في النمذجة المستندة إلى وكلاء. ويقول ديالو: “يمكننا استنساخ الطريقة التي تعمل بها المجتمعات الحقيقية لاستكشاف تساؤلات العالم الحقيقي”. إذا كان هذا يبدو كلعبة ذا سيمز The Sims، فهذا لأنه فعلا كذلك. ولكن بينما تعد ذا سيمز لعبة، فإن المجتمعات الافتراضية المدعومة بملايين الوكلاء الذين يحركهم الذكاء الاصطناعي أمر بالغ الجديّة.
في السنوات الثماني الماضية، فرّ مليون لاجئ سوري إلى أوروبا، واستقر نحو 20 ألفا منهم في النرويج. أثار تدفق المهاجرين، ومعظمهم من المسلمين، إلى بلدٍ متجانس عرقيًا نسبيا، وعلماني وذي جذور مسيحية، إلى نشوء توتّرات. لذا فإن الدمج المتناغم قضيّة ملحّة. فالحزب التقدم اليميني المناهض للهجرة ثالث أكبر حزب سياسي في النرويج. ويقول شولتس: “أنت تريد أن تحظى بمجتمع لا يعمه التطرف”.
والطريقة التقليدية لتحقيق ذلك هي تصميم وتنفيذ سياسات تعتقد أنّها ستنجح. ” يجلس الجميع حول الطاولة ويتجادلون بشأن السياسة الصحيحة: هل يجب أن نستثمر الكثير من المال في جعل المهاجرين يشعرون بالأمان الاقتصادي؟ هل يجب أن نستثمر في تعليمهم اللغة أو الثقافة؟ هل ننفقه على التعليم؟ هل ينبغي لنا أن ننفقه على أماكن يلعب فيها الشباب كرة القدم مع النرويجيين؟ الجميع لديهم أفكارهم الخاصة”، كما يقول شولتس.
والمخاطر كبيرة جدا: إذا اتخذت القرار الخاطئ، فالنتائج قد تكون كارثيّة ولا رجعة فيها. ويقول شولتس: “إذا صرت تعاني بعد عشر سنوات من ويلات الانهيار الاقتصادي والإرهاب، فلا يمكنك الضغط على زر إعادة الضبط”.
ولكن مع محاكاة حاسوبية، يمكننا تجربة مختلف أنواع التدخّلات. إذا تسبّبت السياسة المُقترحة بنتائج عكسية في النمذجة، فيمكننا ضغط زر إعادة الضبط.
هذا ما تهدف إليه نمذجة يعمل على تطويرها كل من ديالو وشولتس وغيرهما، تحاكي مدينة نرويجية نموذجية مع تدفّق مفاجئ للاجئين. إنه نموذج صغير نسبيًا، يحتوي على 50 ألف وكيل فقط، لكنه سيستمرّ لثلاثة أجيال لاختبار النتائج طويلة الأجل لمختلف السياسات. تستغرق هذه النمذجات بين ساعات وأيام لاستكمال التشغيل، اعتمادًا على عدد المتغيرات Parameters المُدرجة فيها. يقول شولتس: “إنها تمكّنك من إجراء تجارب يستحيل إجراؤها في العالم الحقيقي”.
وبفضل هذه القوة، تمتلك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي MAAI القدرة على معالجة أكثر مشكلات العالم تعقيدًا. وفي شهر أكتوبر 2019، جلس شولتس وزملاؤه مع خبراء في المناخ والطاقة والصراع لبدء وضع نمذجة لأزمة اللاجئين الناجمة التي أثارها تغيّر المناخ Climate change. ويقول شولتس: “يعتقد معظم الخبراء أن المناخ كان عاملاً كبيراً في أزمة اللاجئين السوريين. لقد تدفق مليون شخص إلى أوروبا. ومع ارتفاع مستوى سطح البحر على مدى العشرين إلى الثلاثين عامًا المقبلة، فإننا نتحدث عن 100 مليون شخص على الأقل. إلى أين سيذهبون؟ ستكون هناك معاناة إنسانية هائلة. إنّ هدفنا هو إيجاد مبادرات سياسية لتغيير السلوكي وتجنب الصراع”.
ويعمل منمذجون آخرون على منع النزاعات العرقية وعصابات الحماية Protection rackets وعصابات الاتجار بالجنس. يرى شولتس تطبيقات في السياسة أيضا: “أودّ فهم محرّكات الشعبويّة- ما الظروف التي تؤدي إلى وجود بريكست Brexit [انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي] ولوبان Le Pen [شخصية سياسية فرنسية]؟”
وبالطبع، لا يمكن التقاط كامل تعقيدات السلوك الإنساني والتفاعلات الاجتماعية. يقول بروس إدموندز Bruce Edmonds، مدير مركز نمذجة السياسات Centre for Policy Modelling في جامعة مانشستر متروبوليتان Manchester Metropolitan University بالمملكة المتحدة: “ما زلنا لا نعرف حقًا الكيفية التي يتخذ بها الأفراد القرارات، وهذه نقطة ضعف كبيرة. في معظم الحالات، يتم التحقق من بعض أجزاء النمذجات، لكن هنالك أجزاء أخرى تكون عبارة عن تخمينات”. ما يزال الذكاء الاصطناعي MAAI جديدًا لدرجة أننا لا نعرف بعد إلى أيّ مدى ستصل دقّته. ويقول شولتس إن مخرجات النمذجة لا تزال صالحة – إذا كانت مدخلاتك صحيحة: “واحدة من العبارات الشائعة التي تسمعها هي: جميع النمذجات خاطئة، ولكن بعضها مفيد”.
الخطوة الأولى هي تحديد الأشياء التي تريد نمذجتها، ومن ثم جلب أفضل الخبرات المتاحة. وبالنسبة إلى نمذجة اللاجئين مثلا، سيدعو شولتس وزملاؤه علماء الاجتماع ممن لديهم نمذجات نظرية وبيانات تجريبية حول الصراع الديني والدمج الاجتماعي إلى المشاركة.
والمرحلة الأولى هي “تشكيل النظرية”، التي تعني تحديدا بالغ الدقة للكيفية التي تطبق بها النمذجات النظرية على الأفراد في العالم الحقيقي ووصفها رياضياتيًا. عند هذه النقطة، يشرع المنمذجون في بناء الوكلاء.
ويمكننا نمذجة كلّ تفاعل اجتماعي قابل للتصوّر: بين الأسرة والأصدقاء ورؤساء العمل والزملاء والمرؤوسين والزعماء الدينيين، ومن التعاملات الاقتصادية إلى المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال هذه التفاعلات، يتعلّم الوكلاء ويغيّرون سلوكياتهم المستقبلية. وبتلخيصها عبر المحاكاة بكاملها، يكون بمقدورهم تغيير مسار المجتمع.
وبمجرد بناء المحاكاة، فإنّه يجب التحقق من صحتها. هذا يعني إدخال بيانات من العالم الواقعي ورؤية ما إذا كانت تلّخص ما حدث بالفعل، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنها تُعدّل وفقًا لذلك. وفي نموذج دمج اللاجئين، سيستخدم شولتس وفريقه بيانات من المسوح الاجتماعية التي أجرتها الحكومة النرويجية، إضافة إلى بيانات تعود إلى عقد من الزمن وتناولت الدمج في كل من لندن وبرلين.
وكما هو متوقّع، فإن هذه المهمة ليست بالهيّنة، إذ استغرقت قرابة سنة. لكن بمجرد التحقق من صحتها، تصبح مُهيّأً لأداء دور المتحكم. وقد يعني ذلك مجرد تحديد الظروف الأولية ومشاهدة ما ستؤول إليه الأمور. وقد يعني اختبار تدخّل تعتقد -أنت- أنه قد يساعد- كضخ الموارد مثلا في برنامج لإنهاء التطرف. أو قد يعني أن تطلبَ إلى المحاكاة العثور على طريق يقود إلى دولة مستقبلية مرغوب فيها.
لا تكن شريرًا
تكمن قوّة التكنولوجيا في أنها تمكّنك من فعل كل هذه الأشياء دفعةً واحدة. ويقول شولتس: “تجري المحاكاة مئات الآلاف من الملايين من العمليات لمعرفة تحت أي ظرف سيتحرك الوكلاء ويغيرون أو يقومون بالأمور المختلفة”.
تأتي مع هذه القوّة مسؤولية عظيمة. ويقول شولتس: ” السؤال الأخلاقي الذي يزعجني هو: هل يمكن استخدام هذه التكنولوجيا لأهداف شريرة؟” إننا نعرف الإجابة بالفعل. عمل فريق شولتس على تصميم مجتمع يضم أغلبية دينية في صراع مع أقلية واحدة. وقد وجدوا أن هذه المجتمعات تنزلق بسهولة إلى عنفٍ قاتل. عندما أجروا المحاكاة لإيجاد أكثر الطرق فعالية لاستعادة السلام، كانت الإجابة التي برزت مُقلقة جدا: الإبادة الجماعية.
هناك أيضًا خوف حقيقي كبير من استغلال التكنولوجيا، مثلما شعر الكثير أنه حدث في شركة كيمبريدج أناليتيكا. ويقول شولتس: “لقد استخدموا الذكاء الاصطناعي لجعل الأفراد يصدقون بعض الأمور كي يصوّتوا على نحوٍ معيّن”. ويخشى هو وزملاؤه إمكانية استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي MAAI. لتلاعب أشدّ. كان سيناريو الانتخابات في الولايات المتحدة افتراضيًّا، لكنه معقول. فباستخدام تكنولوجيا المحاكاة، يمكن تحويل الأفكار النظرية إلى أسلحة لتحقيق مكاسب انتخابيّة. ويقول ديالو: “نعم، يمكن استخدامها لفعل أمور سيئة… إذ يمكن استخدامها لاستهداف أشخاص أو مجموعات استهدافا نفسيا والتوصّل إلى طريقة للتأثير فيهم”.
بل ربما هناك أسوأ من ذلك. فقد أنشأت مجموعة في مركز العقل والثقافة Center for Mind and Culture في بوسطن نمذجة ذكاء اصطناعي MAAI لاختبار طرق لكسر حلقات الاتجار الجنسي بالأطفال. يشير قائد الفريق ويسلي وايلدمان Wesley Wildman إلى أنّه يمكن للمتاجرين استئجار شخص ما لبناء محاكاة منافسة لتعطيل المخرّبين في سباق تسلّحٍ تكنولوجي. ويقول وايلدمان: “لعلّ هذا يحدث بالفعل. على حد علمي، فنحن متقدّمون عليهم، لكنّهم سيلحقون بنا”.
وتأخذ الجمعية الدولية للنمذجة والمحاكاة The Society for Modelling and Simulation International، التي يترأسها ديالو أيضًا، هذه التهديدات على محمل الجد، لدرجة أنّها تضع مجموعة من المبادئ التوجيهية الأخلاقية للمنمذجين. يُحظر عليهم العمل مع المجرمين، ولكن ماذا لو طلبت جماعة ذات دوافع سياسية المساعدة؟ يقول وايلدمان: “في تلك الحالة، ستكون وجهًا لوجه مع معضلة”. ويقول إن شركة كيمبريدج أناليتيكا لم ترتكب أي خطأ، باستثناء عدم إخبار الأفراد بنواياها. “إذا كانت هذه هي الطريقة التي ستدار بها الحملات السياسية، فلا بأس، لكن يجب أن تكونوا واضحين بشأنها”، لذا فالشرط الأخلاقي الوحيد الذي يمكن فرضه على المنمذجين الذين يعملون لصالح الحملات السياسية هو الشفافيّة. أيُشعِرك هذا بالأمان؟
إن تعقيد وغموض نمذجات الذكاء الاصطناعي MAAI يعنيان أنه من غير المرجح أن شخصا ما يتلاعب بك- ليس بعد. فخارج مجتمع المنمذجين الصغير، تظل نمذجات الذكاء الاصطناعي MMAI غير معروفة إلى حدّ كبير. ويقول وايلدمان: ” قد تستخدمها عناصر سيئة، لكن لا أظن أنهم سيحققون نتائج متقدمة”.
ويقول غيلبرت إن بعض المحللين السياسيين صاروا على دراية بوجودها، لكن معظم السياسيين يجهلونها. ووفقًا لإدموندز، فإن دومينيك كامينغز Dominic Cummings، وهو المستشار الخاص لرئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون Boris Johnson، مُدرك ومهتم.
إنها مسألة وقت لا أكثر. أنت تعرف بوجودها الآن، ولعلّ ترامب يعرف كذلك. ويعتقد وايلدمان إن الأمر سيظهر قريبا: “هذا هو الأمر قادم، سواء أكنا مستعدّين له أم لا”.