أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
التعلم العميقتعلم الآلةذكاء اصطناعي

امتزاج العقول: الذكاء الاصطناعي يُحسّن طريقة تفكير البشر

عندما يعمل الذكاء الاصطناعي والبشر معا، فإنهما يكتشفان حلولاً متفوّقة لمشكلات العالم، وهي حلول كانت ستستعصي على أي منهما لو عمل كلّ بمفرده. معًا، سيغيّران عمليّة التفكير ذاتها

بقلم: دوغلاس هيفن Douglas Heaven

ترجمة: آية علي

مثل غيره من الأبطال البشريين الذين يواجهون خصوما آليّة؛ قيّم غرزيغورز “مانا” كومينكز Grzegorz “MaNa” Komincz فُرصَه. وأخبر أحد الصحفيين قبل المباراة قائلا: “كهدفٌ واقعي ستكون النتيجة 4-1 لمصلحتي”.

كان كومينكز في أوج حياة مهنية ناجحة في مجال الألعاب الإلكترونية، فهو أحد أفضل لاعبي لعبة الفيديو ستاركرافت 2- StarCraft II على مستوى العالم. وقد دعته شركة الذكاء الاصطناعي ديب مايند DeepMind إلى مواجهة أحدث آلة ذكاء اصطناعي لديها، وهي بوت Bot مصممة للعب لعبة ستاركرافت 2 وتدعى ألفا ستار ،AlphaStar وذلك في 19 ديسمبر 2018.

وكان من المتوقّع أن يكون كومينكز خصما قويا، لكنّه لم يكن كذلك. وبعد هزيمته هزيمة فادحة بنتيجة 5-0، كان أقل غرورا، وعلّق قائلا: “لم أتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي بهذه الجودة. لقد شعرت بأنني كنت أتعلّم شيئًا ما”.

كان هذا مجرد أحدث انتصار في سلسلة الانتصارات غير المتوقعة التي تعود بداياتها إلى هزيمة بطل الشطرنج غاري كاسباروف عام 1997 على يد ديب بلو Deep Blue التابع لشركة IBM. وفي عام 2017، تمكن ذكاء اصطناعي آخر من ديب مايند، ألفا غو ماستر AlphaGo Master، من الفوز على اللاعب الذي يحتل المركز الأول حول العالم في اللعبة غو Go، وقد جاء فوزه أبكر بعقدٍ من الزمن من توقعات معظم الباحثين لاحتمال فوزه. بعد ذلك، أتقنت الذكاءات الاصطناعية للشركة لعبتي الشطرنج وستار كرافت، وتُلعب هذه الأخيرة بعشرات القطع المختلفة وبمئات الحركات في الدقيقة.

لكن هذا ليس مجرد تواضع الإنسان أمام ذكاء اصطناعي يفوق ذكاء البشر. فالقصة الفعلية هي أن كل فوز يمثّل لمحة عن الكيفية التي سيجعلنا بها الذكاء الاصطناعي بشرا فائقين أيضا. هذا لأن التفكير صار فعلا مزدوجا. سيؤدي العمل المشترك بين البشر والذكاء الاصطناعي إلى تناقل الأفكار ذهابا وإيابا، فيرشد كل طرف الآخر نحو حلول أفضل لم تكن لتتحقق من خلال العمل المنفرد.

لا تقتصر الإمكانيات على الألعاب، بل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. ونأمل أن يساعدنا هذا العمل الجماعي على تحقيق تقدّم هائل وحيوي في مجالات عدة مثل استخدامات الطاقة والرعاية الصحية وغير ذلك.

ويروّج لهذه الرؤية مؤسس شركة ديب مايند ديميس هاسابيس Demis Hassabis. ويتّفق معه آخرون كُثُر. وعلّق آنديرس ساندبيرغ Anders Sandberg، من معهد مستقبل البشرية Future of Humanity Institute في جامعة أكسفورد University of Oxford على هذا قائلا: “سيكون هذا توسعا مذهلا في الأفكار”.

فقد وجد كومينكز أن هزيمته كانت تنويريّة له. وشاركه هذا الشعور كذلك محترف آخر في لعب ستار كرافت 2 يدعى داريو “تي إل أو” وونش Dario “TLO” Wünsch، والذي انهزم بنتيجة 5-0 كذلك. ويعلق وونش قائلا: “يأخذ ألفا ستار استراتيجيات معروفة جدا ثم يقلبها رأسا على عقب. ربما ما تزال هنالك طرق للعب هذه اللعبة لم نستكشفها بالكامل بعد”.

وتُرجع تعليقاتهم صدى تعليقات العدد المتزايد من البشر المهزومين. وقد أصيب الكثيرون منهم بالذهول والدهشة من ذكاءات ديب مايند الاصطناعية على أداء حركات فائزة لم يكن ليحلم بها أي لاعب بشريّ، مُعيدة بذلك كتابة قواعد ألعاب يبلغ عمرها مئات السنين. والاستفادة من هذه الذكاءات الاصطناعية قد ترتقي باللاعبين إلى مستوى جديد تماما. فبعد خسارته أمام ألفا غو؛ تدرّب بطل غو الأوروبي فان هوي Fan Hui أمام الروبوت ورفع ترتيبه العالمي من 600 إلى 300 خلال عدة أشهر فقط.

الاستفادة من الذكاءات الاصطناعية التي هزمت اللاعبين العالميين ربما ترتقي باللاعبين البشريين إلى مستوى جديد تماما

 

لطالما كانت الحواسيب متفوقة على البشر في لعبة الشطرنج. ويصدق ذلك لمعظم اللاعبين، وهزيمة كاسباروف التاريخية أمام روبوت ديب بلو قد أبرزت ذلك. الآن، يتدرّب جميع اللاعبين المحترفين باستخدام شطرنج الحاسوب. تميل هذه الألعاب إلى استخدام أسلوب دفاعي في اللعب، الأمر الذي يجعل أسلوب أفضل اللاعبين أكثر دفاعية أيضا.

أما التطور الآخر لذكاءات ألعاب ديب مايند الاصطناعية، ألفا زيرو AlphaZero، فقد هزّ أركان عالم الشطرنج من جديد. ففي سلسلة من المسابقات في عامي 2017 و2018، هزم ألفا زيرو ستوك فيش Stockfish، أحد أفضل الحواسيب التي تلعب الشطرنج حول العالم. فعلى العكس من ستوك فيش يلعب ألفا زيرو بطريقة عدائية، وكثيرا ما يُضحّي بقطعه في البداية إذا كان ذلك سيساعده على تحقيق هدفه. وتقول ناتاشا ريغان Natasha Regan التي مثّلت المملكة المتحدة في كلٍّ من الشطرنج ولعبة غو: “ألفا زيرو يهجم فورا”.

وقد شاركت ريغان والمعلّم الكبير ماثيو سادلر Matthew Sadler في تأليف كتاب بعنوان مُغيِّر اللعبة Game Changer، وهو كتاب يستكشف إستراتيجيات ألفا زيرو المُبتكرة للشطرنج، ويقدم النصائح لمن قد يتنافسه معه. ويقول المؤلفان إن هذا الذكاء الاصطناعي يشبه إلى حد بعيد لاعبا بشريا أكثر من لعبة شطرنج حاسوبية نموذجية، مما يجعله معلما أكثر إذهالا.

قد تكون العدوانيّة الإبداعيّة سِمة شائعة. فعادة ما يبني اللاعبون الجيّدون في ستاركرافت دفاعات في المرحلة المبكرة من اللعبة. لكن ريغان وسادلر لاحظا أن ألفا ستار لم يكلّف نفسه عناء فعل ذلك. لقد لاحظا استخدامه لبعض التكتيكات التي استخدمها ألفا زيرو في لعبة الشطرنج.

ويعلّق سادلر: “لقد طرق هذا بالفعل وترًا حساسًا. فأنت تبدأ حقا بالتفكير بأن هناك نمطا من الذكاء الاصطناعي المشترك عبر هذه التحدّيات المختلفة”.

والنتيجة: نوعٌ جديد من البرامج التي تعرض ما يشبه إلى حد كبير الإبداع و- قل ذلك همسا فقط – الحدس. فقد ذُهل ديفيد سلفر David Silver من ديب مايند. ويقول: “أشاد لاعبو غو المحترفين الذين تنافسوا مع ألفا غو مرارا وتكرارا بإبداع النظام. لقد توقّعوا أن يلعب بطريقة مملة لكن فعّالة، وبدلا من ذلك، شهدوا جمالا حقيقيا وإبداعا في الألعاب”.

من المنطقي أن نعمل على حل المشكلات جنبا إلى جنب مع الآلات

 

لماذا إذن تفاجئنا الذكاءات الاصطناعية هذه أكثر من البرمجيات السابقة؟ السبب الأرجح هو افتقارها إلى التحيّز البشري. فعلى الرغم من جودة حواسيب الشطرنج السابقة، إلا أنّها مبنيّة على استراتيجيات بشرية. لكن ذكاء ديب مايد الاصطناعية تتعلم من خلال اللعب ضد بعضها بعضا. قد تكون برمجياتها متباينة، لكنّها تسير وفقا للنهج العام نفسه.

جميعها تستخدم تقنية تعلم آلة تسمى التعلُّم المُعزّز العميق Deep Reinforcement Learning. ويتلّخص ذلك في بناء شبكة عصبية – برنامج مصمم تصميما فضفاضا يحاكي نموذج الدماغ، وقادرٌ على أداء مُهمّة معينة -من خلال تدريبه على كميات كبيرة من البيانات. ومن خلال التجربة والخطأ، تُكافأ النجاحات، مثل الفوز بلعبة غو، وهو ما يساهم في تعزيز سلوكٍ مُعيّن.

لقد تعلّم كل من ألفا غو وألفا ستار من تلقاء نفسيهما، مُتّبعين نماذج بشريّة. لكن ألفا زيرو يستخدم قواعد اللعبة فقط: وتشير لفظة “زيرو” إلى عدم وجود أي مدخلات. وبدلا من ذلك، فإن البرنامج يُعطى القواعد والهدف، ثم يُترك ليتدبّر أمره بنفسه بواسطة آليّاته الخاصة. يبدأ البرنامج بشكل عشوائي، ويلعب ضد نفسه مرارا وتكرارا حتى يستوعب الأمر كلّه. وخلال هذه العملية، يطوّر طريقته الخاصة في فعل الأشياء. وفي بضع ساعات فقط، لعب ألفا زيرو ضد نفسه عشرات ملايين المرات، ليصير أفضل لاعب غو ثم أفضل لاعب شطرنج على الإطلاق. ويعلّق سيلفر قائلا: “ألفا زيرو يكتشف آلاف المفاهيم التي تقود إلى الفوز بمزيد من الألعاب. في البداية، تكون هذه الخطوات أوّلية وبسيطة جدّا، ولكن في النهاية، يمكن أن تكتشف هذه العملية ذاتها عن معرفة مثيرة الدهشة، حتى بالنسبة إلى كبار اللاعبين من البشر”.

وقد ركّز سيلفر وزملاؤه على الألعاب كونها منصات اختبار Testbeds ممتازة، إذ تقدّم مجموعة واسعة من التحديات المألوفة للبشر. لكن الغاية النهائية لتطوير الذكاء الاصطناعي أكثر طموحًا. ويقول سيلفر: “فيما يتعلّق بالخطوة التالية، فنحن نعتقد أنّه يمكن تطبيق مناهجنا على بعض المُشكلات الأساسية في العلوم”.

حصلنا في العام الماضي على لمحة مبكرة عن الاحتمالات الممكنة، وذلك من خلال الذكاء الاصطناعي ألفا فولد AlphaFold من ديب مايند الذي تنبأ ببُنية المعقدة للبروتينات. سيساعدنا الفهم الأفضل لكيفية عمل البروتينات على التحكم في كل شيء، من المرض إلى إنتاج الغذاء. فوظيفة البروتين تحدّدها يُنيته الفريدة. وهذه البُنية، والتي تشبه في العادة حبلا متشابكا، يصعب التنبؤ بها من تسلسل الأحماض الأمينيّة المكوّنة لها. ويعتمد الباحثون على أساليب لتحديد البُنية وهي أساليب شاقة ومكلفة ولا يمكن تطبيقها على الكثير من البروتينات. واكتشاف الكيفية التي تنطوي بها البروتينات Protein Folding بناء على تسلسل الأحماض الأمينية هو غاية مرغوب فيها جدًا، ولكن على الرغم من سعي البشر وراء هذا الهدف لنحو 70 عاما، إلا أنه ما يزال بعيد المنال إلى حد كبير.

وفي يوليو 2018، فاز ألفا فولد بتحدّي التقييم الحيوي للتنبؤ ببُنية البروتين Critical Assessment of Protein Structure Prediction challenge، وهو المعيار الذهبي لتقييم البرمجيات التي تهدف إلى التنبؤ بكيفية تطوّي البروتينات. ويحدونا الأمل في أن يقدم ألفا فولد للجهود المستقبلية للتنبؤ ببُنية البروتين ما تُقدّمه برمجيّات الذكاء الاصطناعي ذات الصلة إلى الألعاب. إذن، ما الوجهة التالية؟ وما مدى بعدنا عن تحقيق غايات أكبر؟

يقول كين ستانلي Ken Stanley من جامعة سنترال فلوريدا University of Central Florida، وهو مؤسس مختبر الذكاء الاصطناعي في أوبر Uber: “بالتأكيد، لقد أحرزنا تقدماً كبيراً، لكن لا أعتقد أن أي شخص يظن أن هذه الذكاءات الاصطناعية تقترب من المستوى البشري”. فعلى الرغم من أن ألفا زيرو استخدم الخوارزمية نفسها لتعليم نفسه كيفية لعب كلا من الشطرنج ولعبة غو، إلا أن شبكته العصبية التي تلعب الشطرنج لا يمكنها لعب غو، كما لا يمكن لشبكته التي تلعب غو لعب الشطرنج. لا يمكن لألفا زيرو تطبيق الدروس التي تعلمها من لعبةٍ ما على لعبة أخرى.

ولكي يبلغ التعلم العميق المستوى التالي من الطريق المؤدي إلى ذكاء شبيه بالذكاء البشريّ؛ يتعيّن على الشبكات العصبية أن تصير قادرة على التعميم. قد يتضمن هذا أنواعا جديدة بالكامل من التوصيل البينيّ Interconnectivity، أو قواعد جديدة لتنشيط الخلايا العصبية للبرنامج في الشبكة. يقول ستانلي: “لا نريد التعقيد لمجرّد التعقيد، بل لأنّه ينتج أشياء مذهلة”.

يأمل ستانلي التوصل إلى القدرة على التعميم من خلال التطور العصبي Neuro-evolution: شبكات عصبية تعمل على تحسين نفسها بنفسها باستخدام تقنيات مستوحاة من الطبيعة. وتتمثل الطريقة الأساسية لاستخدام التقنيات التطوريّة في الحوسبة في البدء باستخدام حلول عشوائية، واختيار أفضل الحلول ومزجها معًا، وتكرار المحاولة. كرّر هذا لملايين المرات، وستتضافر جوانب النظام لتصميم نموذج ذكاء اصطناعي ناجح من تلقاء نفسها.

إذا افترضنا أنّ مثل هذه التقنيات ناجحة، وأننا قادرون على بناء ذكاءات اصطناعية أفضل من أي وقت مضى، فإن أكثر الإمكانيات وعدا تتمثّل في أن تتخذ هذه البرمجيات دور المتعاونين معنا. وتقول ديفي باريخ Devi Parikh من معهد جورجيا للتكنولوجيا Georgia Institute of Technology في أتلانتا: “إنّ تفاعل البشر مع الذكاء الاصطناعي لإنجاز المهام هو أمر حتميّ”.

دماغي الآخر هو حاسوب

من أجل تعاونٍ ناجح، نحتاج إلى الثّقة، ولباريك فإن هذا يعني أننا بحاجة إلى تطوير نظرية عقل الذكاء الاصطناعي AI theory of mind. في البشر وبعض الحيوانات الأخرى، تسمح نظرية العقل للأفراد بإسناد حالات ذهنية للآخرين. إنها تتيح لشخصٍ ما رؤية وجهة نظر الآخرين ومعتقداتهم ونواياهم.

وتقول باريك: “كلما كان الناس أكثر إدراكا لما يجري في رأس الشخص الآخر، كانوا أكثر فاعلية في العمل معًا والتكيف مع نقاط القوة والضعف لدى بعضها بعضا “. لماذا لا يمكن أن ينطبق الأمر نفسه على الفرق المُؤلّفة من البشر والذكاءات الاصطناعية؟ (انظر:تفكير غريب).

جزءٌ من هذا ينبع من الحاجة إلى جعل الذكاء الاصطناعي أكثر شفافية وقابليّة للتفسير. لكن أكثر تعاون ناجح ومثمر قد ينشأ من الشراكة والتفكير معا. يعلم الجميع أن كاسباروف خسر أمام ديب بلو، لكن ما لا يعرفونه جميعا هو أنّ كاسباروف قد ابتكر بعد ذلك شطرنجا متطوّرا، أو ما يعرف باسم شطرنج القنطور Centaur chess، والذي يتعاون فيه البشر والحواسيب ويلعبون معا ضمن أزواج.

وكما هو متوقّع، يمكن للاعبين الهُواة الذين يلعبون إلى جانب الحواسيب هزيمة اللاعبين المحترفين الذين يلعبون بمفردهم. ولكن حتى مع استخدام الطرفين للحواسيب، فإنه ما يزال بمقدور اللاعبين الهواة الفوز على اللاعبين المحترفين. عندما يحدث هذا، يكون عادة بسبب كون الهاوي أكثر تعاونا ضمن الفريق من المحترف، والذي من المرجح أن يتجاهل اقتراحات الآلة.

وبالطبع، هناك حالات يجب أن نتوقع فيها تغلّب الحُكم الإنساني على حُكم الذكاء الاصطناعي. وأبرز المجالات المرشّحة لهذا الأمر هي مسائل الجماليّات والأخلاق. لنأخذ مثلا التصميم التوليدي  Generative design، حيث تُستخدم الذكاءات الاصطناعية بالفعل لإنشاء المخططات لأجزاء محتملة في الطائرات والسيّارات. يُرشّح البرنامج العديد من الخيارات المحتملة حتى تتشكل مجموعة صغيرة من الخيرات الراسخة، والتي يختار منها الإنسان بعد ذلك. توجد أيضا أسباب وجيهة لإبقاء البشر ضمن إطار إتخاذ القرار فيما يتعلّق بنُظُم الأسلحة المستقلة.

إذا تمكنا من تحديد الوقت الذي يتعيّن فيه على الذكاء الاصطناعي طلب المساعدة من بشر، فإن التفكير المشترك قد يكون أقوى بكثير من تفكير الذكاء الاصطناعي وحده. ويرى ساندبيرغ أن الحل يكمن في أن يؤدي الذكاء الاصطناعي معظم التفكير بدلا عنا، ولكن لا يتخذ سوى القرارات التي تناسبنا. ويحاول أوين إيفانز Owain Evans، وهو زميل ساندبرغ من جامعة أكسفورد، تعليم الذكاء الاصطناعي القِيَم الإنسانية. من خلال طرح أسئلة حول القرارات المحتملة، يتعلّم النظام ما يجب عليه فعله في المواقف الأخلاقية المختلفة. قد تتحقق برمجيات الذكاء الاصطناعي من قِيمنا بين الفينة والأخرى. هل ترفض هذا الإجراء؟ هل ستكون هذه النتيجة جيدة؟ يقول ساندبيرغ: “قد يكون أكثر ذكاءً مني، لكنه لا يزال يقوم فقط بالأشياء التي قد أقوم بها”.

يتفق ستانلي على قيمة المدخلات البشرية. ويقول إنّه صعق بالتجارب التي أجراها مع شبكة عصبية تطورت لتوجيه روبوت عبر متاهة. وبفضل المدخلات البشرية من وقتٍ لآخر، صار الذكاء الاصطناعي أفضل بكثير. من المنطقي أن نبدأ في حل المشكلات جنبًا إلى جنب مع الآلات. لا يمكننا التغلب عليهم في المهام الفردية، لذلك دعونا ننضم إليها.

يقول ساندبيرغ: “إذا فعلنا الأمور على نحو صحيح، فسنعمل على توسيع الطريقة التي يمكننا بها التفكير في المشكلات. نحن نعلم أن المشكلات تُحلّ من خلال وجود وجهات نظر مختلفة. وقريباً، ربما نحظى بوجهات نظر مختلفة تماما عن تلك التي كانت لدينا من قبل”.

تفكير غريب

إن توفّر قدرة الذكاء الاصطناعي على التفكير خارج الصندوق المعتادة قد تقدم الاكتشافات التي نحتاج إليها في معالجة عدد من أكبر مشكلات العالم. لكن هل سنكون سعداء بما تتوصّل إليه الآلات؟

في بعض الأحيان، ربما لا يكون الحل الذي يُقدّمه الذّكاء الاصطناعي لمشكلةٍ ما مُفيدا، فحتى عندما يكون منطقيا، فقد نشعر بعدم الارتياح. بالنسبة إلى المشكلات التقنية كاستخدام الطاقة أو تصميم التفاعلات الكيميائية، فعلى الأرجح سيتفق الأشخاص مع الذكاء الاصطناعي. لكن عندما يتعلق الأمر بالمشكلات الاجتماعية، فقد يكون من الصعب التخلص من شعورنا بأننا نعرف أفضل منها.

على سبيل المثال، تخيل أنه بدلاً من التصويت لمن نريد في الحكومة، طلبنا إلى الذكاء الاصطناعي تقييم نقاط القوة لدى مختلف المرشحين والاختيار بدلا عنّا. إذا كانت خياراته لا تتناسب مع توقعاتنا أو تفضيلاتنا، فهل سنوافق عليها؟

قد ينطبق الأمر ذاته على المسائل الأخلاقيّة. يقول أندريس ساندبيرغ: “إذا بدأ ذكاء اصطناعي -والذي كان على حق دائما فيما يتعلق بمختلف الأمور- بإعطائي نصائح أخلاقيّة، فقد أفكّر مرّتين قبل الأخذ بها حتى وإن كنت أعلم فكريا أنّه يجب عليّ ذلك. ربما أرغب ببساطة في أن أقرر بنفسي”.  أو ربّما لا. سيكون أمر جذابا، ولو أنه ديستوبيّ Dystopian, إلى حدٍّ ما، إذا برّأ الناس أنفسهم من عملية اتخاذ القرارات.

من حيث المبدأ، يعتبر اختبار الأفكار لمعرفة الناجح منها ومدى فعاليته، ثم وضع سياسات وفقا لهذه النتائج، أمر منطقي جدًّا. لكن ساندبيرغ يعتقد أن هذا النّهج لن ينجح في المسائل التي تثير فينا مشاعر قوية، كالطّريقة التي يتعلم بها أطفالنا مثلا. وهذا هو السبب أن تجارب وضع سياسات في المدارس قد أثبتت أنّها أمرٌ مثيرٌ للجدل.

قد  يكون الأمر أصعب فيما يتعلّق بقبول توصيات الذكاء الاصطناعي في ظروف كهذه، خاصّة إذا بدَت غريبة. ويتساءل ساندبيرغ: “من المرجّح أن يكون الذكاء الاصطناعي قادرا على منحنا طريقة لكيفية تعليم أطفالنا، لكن هل سنريده أن يقوم بتعليمهم؟”

© Copyright New Scientist Ltd.

المصدر
New Scientist
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى